الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.فتنة الراشد مع السلطان مسعود. لما بويع الراشد بعث إليه السلطان مسعود برتقش الزكوي يطالبه بما استقر عليه الصلح مع أبيه المسترشد وهو أربعمائة ألف دينار فأنكر الراشد أن يكون له مال وإنما مال الخلافة كان مع المسترشد فنهب ثم جمع الراشد العساكر وقدم عليهم كجراية وشرع في عمارة السور واتفق برتقش مع بك ايه على هجوم دار الخلافة وركبوا لذلك في العساكر فقاتلهم عساكر الراشد والعامة وأخرجوهم عن البلد إلى طريق خراسان وسار بك ايه إلى واسط وبرتقش إلى خرخس ولما علم داود بن محمود فتنة عمه مسعود الراشد سار من أذربيجان إلى بغداد في صفر سنة ثلاثين ونزل بدار السلطان ووصل بعده عماد الدين زنكي من الموصل وصدقة بن دبيس من الحلة ومعه عش بن أبي العسكر يدبر أمره ويديره وكان أبوه دبيس قد قتل بعد مقتل المسترشد بأذربيجان وملك هو الحلة ثم وصل جماعة من أمراء مسعود منهم برتقش بازدار صاحب فروق والبقش الكبير صاحب أصبهان وابن برسق وابن الاحمديلي وخرج للقائهم كجراية والطرنطاي وكان إقبال خادم المسترشد قد قدم من تكريت فقبض عليه الراشد وعلى ناصر الدولة أبي عبد الله الحسن بن جهير فاستوحش أهل الدولة وركب الوزير جلال الدين بن صدقة إلى لقاء عماد الدين زنكي فأقام عنده مستجيرا حتى أصلح حاله مع الراشد واستجار به قاضي القضاة الزينبي ولم يزل معه إلى الموصل وشفع في إقبال فأطلق وسار إليه ثم جد الراشد في عمارة السور وسار الملك داود لقتال مسعود استخلفه الراشد واستخلفه عماد الدين زنكي وقطعت خطبة مسعود من بغداد وولى داود شحنة بغداد برتقش بازدار ثم وصل الخبر بأن سلجوق شاه أخا الأمير مسعود ملك واسط وقبض على الأمير بك ايه فسار الأمير زنكي لدفاعه فصالحه ورجع وعبر إلى طريق خراسان للحاق داود واحتشد العساكر ثم سار السلطان مسعود لقتالهم وفارق زنكي داود ليسير إلى مراغة ويخالف السلطان مسعود إلى همذان وبرز الراشد من بغداد أول رمضان وسار إلى طريق خراسان وعاد بعد ثلاث وعزم على الحصار ببغداد واستدعى داود الأمراء ليكونوا معه عنده فجاءوا لذلك ووصلت رسل السلطان مسعود بطاعة الراشد والتعريض بالوعيد للأمراء المجتمعين عنده فلم يقبل طاعة من أجلهم والله سبحانه وتعالى أعلم..حصار بغداد ومسير الراشد إلى الموصل وخلعه وخلافة المقتفى. ثم إن السلطان مسعودا أجمع المسير إلى بغداد وانتهى إلى الملكية فسار زين الدين علي من أصحاب زنكي حتى شارف معسكره وقاتلهم ورجع ونزل السلطان على بغداد والعيارون فأفسدوا سائر المحال ببغداد وانطلقت أيديهم وأيدي العساكر في النهب ودام الحصار نيفا وخمسين يوما وتأخر السلطان مسعود إلى النهروان عازما على العود إلى أصبهان فوصله طرنطاي صاحب واسط في سفن كثيرة فركب إلى غربي بغداد فاضطرب الأمراء وافترقوا وعادوا إلى أذربيجان وكان زنكي بالجانب الغربي فعبر إليه الراشد وسار معه إلى الموصل ودخل السلطان مسعود بغداد منتصف ذي القعدة فسكن الناس وجمع القضاة والفقهاء وأوقفهم على يمين الراشد التي كتبها بخطه أني متى جمعت أو خرجت أو لقيت أحدا من أصحاب السلطان بالسيف فقد خلعت نفسي من الأمر فأفتوا بخلعه واتفق أرباب الدولة ممن كان ببغداد ومن أسر مع المسترشد وبقي عند السلطان مسعود كلهم على ذمه وعدم أهليته على ما مر في أخباره بين أخبار الخلفاء وبويع محمد بن المستظهر ولقب المقتفي وقد قدمت هذه الأخبار بأوسع من ذلك ثم بعث السلطان العساكر مع قراسنقر لطلب داود فأدركته عند مراغة وقاتله فهزمه أذربيجان ومضى داود إلى خوزستان واجتمع عساكر من التركمان وغيرهم فحاصر تستر وكان عمه سلجوق بواسط فسار إليه بعد أن أمره أخوه مسعود بالعساكر ولقي داود على تستر فهزمه داود ثم عزل السلطان وزيره شرف الدين أنوشروان بن خالد واستوزر كمال الدين أبا البركات بن سلامة من أهل خراسان ثم بلغه أن الراشد قد فارق الموصل فأذن للعساكر التي عنده ببغداد في العود إلى بلادهم وصرف فيهم صدقة بن دبيس صاحب الحلة بعد أن أصهر إليه في ابنته وقدم عليه جماعة من الأمراء الذين كانوا مع داود منهم البقش السلامي وبرسق بن برسق صاحب تستر وسنقر الخمارتكين شحنة همذان فرضي عنهم وأمنهم وعاد إلى همذان سنة إحدى وثلاثين.
|